هذا وقد شغلت الصورة الشعريّة النقاد ، تكاد تكون القضيّة الفنية الأولى في الإهتمام ، ثم ارتفاعها لما هو شعر وإيحاء . قضيةٌ مازال كثير من أطرافها وعلاقاتها عصيّ على الفهم ، يتطلب الإختراق والكشف ؛ لأنها على رأس المهام المحوريّة في النقد الشعري . وعلى النقد أن يتعمق أكثر في الصورة الشعريّة حتى يميط اللثام عن خفاياها : كيف تمتاز عن التنويع الصوري في مجالات الفن الأخرى ؟ وما الذي يجعلها تمثل بروازاً جماليّاً ماثلاً ؟ كيف يتميز الفن الشعري في علو الدرجة ضمن القصيدة الواحدة ؟ . ونقول : إن الصورة الشعريّة واللوحات الفنيّة لم تولد معلّقة في الهواء ، ولم تتصل بسبب مع بعضها ، ولم تتكل على حاصل يوثق علاقاتها وإظهار النسق أو النظام الذي يحتويها ؛ فإذن لابد لها من الإستناد إلى قانون بنائي مادي بحكم الدوائر التي تحيط بالشكل الصوري للفن . ولايمكن للعقل أن يتقبل صوراً تهيم على وجهها متبعثرة ، دون أن يدرك لها سبب بنائي وعلاقات متواصلة ، فلابد من إيجاد مناطق الإيحاء ، ومصادر الإشعاع للثراء الحيوي الذي تمضي دوائره نحو جميع الجهات اللانهائيّة ، ويتعمّق بقوة في أغوار الوجدان الشعري بواسطة الطاقة العالية التي تستطيع بقدرتها أن تحرّك كائناً حيّاً كالإنسان ، وقد تهزه هزاً عنيفاً ، وقد تبعده عن الوعي بما حوله من مدركات . قال بشرى موسى : ( لما كانت الصورة عنصراً مهماً من عناصر الإبداع الشعري ووسيلته المتميزة بدا من المنطق اتصافها بطبيعة متغيرة لما يطرأ من تبدل في القيم والتقاليد الشعرية في عصور ومراحل زمنية معينة ، أو لظهور أسس شعرية جديدة ، أو تصوّر في المقاييس النقديّة ، أو تباين في المواقف الشخصيّة من الشعور وموضوعاته ) ونلاحظ أن على الرغم من الغيمة التي أُسبغت على الصورة وأهميتها في التعبير الشعري عامة ، إلاّ أن هذا لايمنع من أن تكون لها مكانة خاصة في التجربة الشعرية الحديثة ، لا سيما ” الشعر الحر “
* الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث – بشرى موسى صالح – ط1 – 1994م